يلعب المعلمون دورًا أساسيا في نجاح الطلبة في الرياضيات، وخصوصاً في الصفوف الابتدائية. وتتنوع أدوار المعلم الهامة من مدير للصف ومقدم وعارض للمحتوى ومنسق للنشاط ومدير للمشروع ومرشد تعليمي، وهي أدوار تساعد بمجملها على تحديد تجارب الطلبة مع الرياضيات. " إن فهم الطلبة للرياضيات وقدرتهم على استخدامها لحل المشكلات وثقتهم وميلهم للرياضيات كلها تتشكل من خلال التعلم الذي يتلقونه في
المدرسة " ( المجلس الوطني لمعلمي الرياضيات، 2000، ص 16 – 17 ). وعليه فإن تعلم الطلبة الناجح للرياضيات يعتمد على مهارة ومعرفة وممارسات مدرسيهم. والتطور المهني هو الوسيلة الرئيسية لتحسين مهارات المدرسين ومعارفهم وممارساتهم في الرياضيات وتدريسها. وحسب مبادئ ومعايير الرياضيات المدرسية الصادرة عن المجلس الوطني لمعلمي الرياضيات فإنه لكي " يفهم المعلمون الرياضيات التي يدرسونها بعمق وأن يستخدموا هذه المعرفة بمرونة في مهماتهم التدريسية، يجب أن يتوفر لهم فرص ومصادر متعددة ووافرة لتعزيز معرفتهم وتجديدها " ( المجلس الوطني لمعلمي الرياضيات، 2000، ص 17 ). ويدعم هذا ما توصل إليه هييل وروان وبول ( 2005 ) والذين وجدوا ارتباطاً بين معرفة المعلم بمحتوى مادة الرياضيات التي يدرسها للصفوف الثلاثة الأولى وتحصيل الطلبة في هذه المادة. وتدعم وجهة النظر هذه حول أهمية التطور المهني أبحاث حول فعالية الكلفة الخاصة بها. ففي مراجعتهم لهذه الأبحاث، توصل غرينولد وهوجز ولين ( 1996 ) إلى أن " زيادة الإنفاق على تعليم المدرسين لها أثر إيجابي على تعلم الطلبة يفوق ما ينفق على المتغيرات المدرسية الأخرى " ( حسب اقتباس ستيفر وهيبرت ، 1999، ص 146 ). قامت ميوبورن ( 2003 )، واضعةً في اعتبارها رؤية مجلس معلمي الرياضيات الوطني، بمراجعة ما نشر من أبحاث حول التطور المهني على مدى 20 عاما في مجال تدريس الرياضيات. وبناء على ما تجمع لديها من أدلة، أوصت بأن يتم توفير فرص للتطوير المهني لمدرسي الرياضيات بحيث يتعلمون الرياضيات بنفس الطريقة التي يجب أن يدرسوها بها لتلاميذهم سواء من حيث استيعاب المفاهيم أو إتقان الإجراءات. وأوصت كذلك بأنه يجدر بالتطوير المهني أن يساعد المعلمين على كسب قدرة تحليلية عميقة لأسس مفاهيم المواضيع والترابط بين مواضيع الرياضيات التي يدرسونها. وتقول ميوبورن في ملخصها ( 2003 ص 49 ) أن مجمل الأدلة "تشير بقوة كبيرة إلى أن تعزيز معرفة المدرسين بالرياضيات " جزء في غاية الأهمية لتعليمهم كيف يدرسون بشكل مختلف " ( كامبل ووايت 1997؛ هيتون، 1994، 2000، كليباتريك، هانكوك، ميوبورن، ستولينغز، 1996، كما اقتبست ميوبورن عنهم، 2003 ). على سبيل المثال، توصلت دراسة أجريت على مدى سنتين على مدرسين في مدارس متوسطة يدرسون الأعداد النسبية والكمية ومنطق النسبة والتناسب أن ممارسات المدرسين تتغير مع تنامي المحتوى المعرفي لديهم وتعمقه ( سودار، فيليب، ارمسترونغ وشابيله، 1998، كما اقتبست عنهم ميوبورن، 2003 ). وهناك أيضاً دراسة مقارنة أجريت على 21 صفاً مدرسيا في المرحلة الابتدائية العليا في كاليفورنيا ( بعد تبني إطار حل المشكلات الرياضية الجديد عام 1992 )، وتوصلت إلى أن التطوير المهني المصمم لتعزيز فهم المعلمين للرياضيات ساهم في توفير فرص أكبر للطلبة ليشاركوا بفعالية في التعبير العددي بطرق ساعدتهم على بناء الإدراك المفهومي ( غيرهارت، ساكس، سلتزر، شلاكمان، تشينغ ، ناصر، فول، بيرنيت، راين وسلون، 1999 ). ووجد شيفتر ( 1998 ) أن التطوير المهني الفعال يضع المعلمين في تحد مع الأفكار الرياضية المهمة وتبرير أسلوب تفكيرهم لأقرانهم وتدقيق حلول بديلة طرحها زملاؤهم وإعادة النظر في فهمهم لما يعنيه التخصص في الرياضيات " ( حسب ما اقتبست ميوبورن عن الباحثين، 2003، ص 49 ). وقد استكشف شيفتر في دراسته قدرة المعلمين على ترجمة ما تعلموه في التدريب أثناء الوظيفة إلى ممارسات في غرفة الصف. وقد ساهم التطوير المهني الذي يتعلم فيه المدرسون بفعالية أفكاراً جديدة ( كما يحصل مع تلاميذهم ) بشكل أفضل في تمكين هؤلاء المدرسين من تحويل التدريب إلى ممارسات تدريسية محسنة، مقارنة مع غيرهم الذين سردت عليهم الأفكار الجديدة بدون مشاركة فاعلة، حسب ما أورد شيفتر. وتشير الأبحاث كذلك إلى وجوب أن يساعد التطوير المهني المعلمين على تشجيع تلاميذهم لاستكشاف عدة طرق لحل المسائل الرياضية. وعلى سبيل المثال، توصلت دراسة مراجعة للأبحاث إلى أن الفرص التعليمية " الأغنى والأغزر من حيث المفاهيم " تتوفر عندما يشجع المعلمون طلبتهم على استكشاف المزايا النسبية للمناحي المختلفة لحل المسائل ( هيبرت، فينيما، كاربنتر، فوسون وويرن، 1997، كما اقتبس عنها ستيفلر وهيبرت، 1999 ). وتشير نتائج البحث الذي أجراه بول وباسل ( 2000 ) إلى أنه يجب أن يتمكن المدرسون من " تحليل " المهمة الرياضية، مثل العودة بالخطوات إلى الخلف للتوضيح للتلاميذ الطرق المختلفة الممكنة لحلها. ولكن مثل هذا التحليل لا ينجح إلا أن كان ذات طبيعة حبيبية – أي " عندما تكون الخطوات المنطقية صغيرة بما يكفي أن تكون ذات معنى واضح بالنسبة لمتعلم ما أو صف معين " بناء على ما يعرفونه مسبقًا ( بول وباس، 2000، ص 88 – 99 ). وبإمكان التطوير المهني أن يزود المعلمين بهذه القدرة التحليلية الدقيقة. ولتنفيذ نوعية تدريس الرياضيات التي يوصي بها المجلس الوطني لمدرسي الرياضيات بفعالية، توصلت دراسات مراجعة أبحاث إلى أن التغير في الآراء والممارسات ضرورية – وتكرارية ( غولدسميث وشفتر، 1997، كما اقتبس عنهم نيلسون، 1997 ). ولكن ليس من الواضح بعد أيهما أكثر فعالية: تغيير المعتقدات أولاً أم تغيير الممارسات أولاً. منطقياً يبدو أنه لا بد أولاً من تغيير المعتقدات قبل تغيير الممارسات ( شيفتر وفوسنوت، 1993، كما اقتبس عنهما نيلسون، 1997 ): ولكن تكشف دراسة مراجعة أبحاث أخرى أنه في بعض الحالات ، أدت ممارسة السلوك إلى " حفز " العملية بالنسبة للمعلمين ( فرانك، فينيما وكاربنتر، 1997، كما اقتبس عنهم نيلسون، 1997، ص 11 ).