رجل القانون والخبرة العميقة في القضاء السوري الأستاذ هائل اليوسفي, يفتح للثورة بعض مواجعه حول سيادة القانون والتلاحم بين ما هو وطني وما هو إسلامي في التشريع.
دين ودنيا تقدم للقارئ من خبرته وتجربته العميقة ونرتاح لصراحته ووضوحه وصدقه في خدمة الأمة والمواطن
> تنص المادة الثالثة من الدستور السوري على أن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع, هل لنا أن نقف على حقيقة النص الدستوري ونتعرف مدى تطبيقه على رعايا الجمهورية العربية السورية.
>> المادة الثالثة في الدستور أشارت إلى أن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي من مصادر التشريع, بعد هذا الكلام فإن على مجلس الشعب والمجالس التشريعية الأخرى أن تستقي أحكامها وتشريعاتها من الفقه الإسلامي, أن يكون الفقه الإسلامي هو إمامها وهو النبع المعين للتشريعات المعاصرة التي تأتي من حلول إيجابية لمشكلاتنا الاجتماعية.
أما القانون المدني الذي صدر في 18 أيار 1949 أيام الانقلاب العسكري لحسني الزعيم وكان وزير العدل وقتئذٍ السيد أسعد الكوراني وفي غفلة من الزمن صدر القانون وأبطل العمل بمجموعة الأحكام الشرعية (مجلة جليلة) وأحل محلها القانون المدني المأخوذ أصلاً عن القانون الفرنسي, بطبيعة الحال صدور القانون المدني المأخوذ عن القانون الفرنسي قطع الصلة تماماًَ بين الأمة وتاريخها, كمن اقتلع نبتة من جذورها وبالتالي بدأنا نطبق قانوناً مدنياً بأحكامٍ فرنسية في الأصل حتى أن فرنسا قد أخذت هذا القانون بكافة أحكامه عن أيام نابليون وهو بدوره مستمد من القوانين الرومانية عن الألواح الاثني عشر, في حقيقة الأمر هذا الإلغاء وإحلال هذا القانون محل مجلة الأحكام العدلية المصاغ أحكامها من المذاهب الفقهية الأربعة, هنا أريد أن أؤكد صحيح أن هناك مآخذ على تقليد مجلة الأحكام العدلية لكن هذه المآخذ كان بالإمكان تداركها من خلال صياغة جديدة ونُبقي صلة الوصل ما بين الحاضر والماضي ويبقى الفقه الإسلامي هو المَعين والمنبع لكل أحكامنا الحاضرة ولكن مجيء هذا القانون قطع هذه الصلة كمن سلخ جنيناً من رحم أمه وألقاه بعيداً, وهذا القانون كان في ظاهره خطوة حضارية أفرحت البعض ممن ليس لديهم نظرة عميقة في الموضوع كما أنها أفرحت من يريد أن يسلخ هذه الأمة عن تاريخها وعن ثقافتها.
منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا ظل الجدل دائراً بين ضرورة العودة إلى الأصالة وبين الاندفاع نحو المعاصرة, وإرضاءً لبعض العواطف الجياشة التي تريد أن تُبقي للأمة آثارها وتاريخها كانت هناك مادة مثل جوائز الترضية, عملية رتوش تجميلية فورد في الدستور المادة الثالثة مصدر التشريع هو الفقه الإسلامي وجاء في القانون المدني في المادة الأولى في الفقرة الثانية بأن مصدر الأحكام هو الفقه الإسلامي, فهذه المهمة تدخل في صلب أحكام الفقه والشريعة الإسلامية.
> هناك من يقول إن الأقليات يمكن أن يظلموا في قانون تشريع الفقه الإسلامي.
>> إطلاقاً وعلى العكس أنا بتقديري وهذا القول ممن أسميتهم الأقليات يتمنون أن تحكمهم قوانين الشريعة لينالوا رعاية وعدالة أكثر من هذه الأحكام, لو رجعنا وكنا واقعيين نجد أن سورية الدولة الوحيدة في العالم إن لم تكن حصراً التي تطبق قوانينها الشخصية أحد عشر قانوناً إلى جانب إحدى عشرة محكمة, هذا أمر لانجده في أي دولة لا في اليابان ولا في اتحاد جنوب إفريقيا ولا في روسيا.... في كل دولة من العالم تحترم قوانينها وتحترم مواطنيها وتحكمهم قوانين واحدة نافذة, أما إذا كانت هناك أقلية قانون فهذا يلامس السيادة الوطنية, من شروط السيادة الوطنية قانون واحد محكمة واحدة وإلا السيادة مخترقة, مع كل أسف نحن نطبق القانون الفرنسي الدولة المستعمرة لسورية وهي ذهبت وخرجت ونالت سورية استقلالها ولكن قوانينها لا تزال قائمة, طافية على وجه الماء.
> الصيحة الجريئة هذه من المسؤول عن تنفيذها هل مجلس الشعب أم القضاة أم رجال الدين?
>> الجهة المسؤولة عن تنفيذها هي مجلس الشعب, أقول وبصراحة ووضوح وكلام دقيق ومباشر على مجلس الشعب أن يضع قانوناً ينظم أحكام الأحوال الشخصية لكافة المواطنين ويمكن لهذا القانون الواحد أن يتضمن بعض الفصول من ضمنه التي تتعلق بالأقليات التي أشرت إليها, على سبيل المثال هذه المحاكم التي تحكم في حقوق الناس في حقوق المواطنين السوريين, هذا المواطن السوري يدفع الضريبة ويخدم العلم ويحرس الحدود دفاعاً عن أرض الوطن, هذا المواطن السوري الذي يتملك ويبيع وعليه مثله مثل الآخرين ولكن في قضايا الأحوال الشخصية تحكمه فئة لا علاقة لهم بالقانون, السلطة لا تعين القاضي ولا إشراف لها على القاضي, إن أخطأ هذا القاضي ليس هناك سلطة تحاسبه, وليس هناك من تعويضات, ومن شروط السيادة المطلقة وحدة القضاء ووحدة القانون.
ونحن لا نريد أن ندخل في تفصيلات دينية محضة ولكن أريد أن أقول لك أمراً واحداً, أحكام الإرث عندما يتوفى رجل ذمي لا ينتمي إلى الإسلام له دينه في حال الوفاة لأن طائفته تفتقد إلى قانون الإرث يخضع في توزيع الإرث إلى القانون الإسلامي بعد ذلك فإن افتقاد النص يرجع إلى القانون الإسلامي الذي هو يمثل القانون العام أو بالأحرى القانون الأعم, إذاً يجب أن يكون هناك قانون واحد ينظم كل حالات المواطنين باختلاف انتماءاتهم الدينية, أنا لا أريد أن أفرض أحكام الشريعة الإسلامية على غير المسلم ولكن أريد أن أقول أحكام وخلافات غير المسلم يجب أن تخضع لقانون صادر عن سلطة تشريعية حقيقية, لا أريد أن تكون هناك قوانين صدرت في عهد الانتداب, زال الاستعمار ويجب أن تزول هذه القوانين التي تركها وراءه, أريد أن أذكر قولا: حين صدر القانون عام 1948 وهو قانون فرنسي هناك من قال أن فرنسا خرجت من الباب وعادت من النافذة قطع الصلة والتخلي عن شريعتنا وعن فقهنا الإسلامي, وبالمناسبة فإن الفقه الإسلامي هو أغنى فقه بين الشرائع الدنيوية والوضعية قاطبة فهذا الفقه يمدك بكافة الأحكام التفصيلية والإجمالية فإذا أعياك النص هناك قياس, فإن أعياك النص هناك الاستحسان, فإن أعياك النص هناك الإجماع, فإن أعياك النص هناك الاجتهاد, وبالتالي هو فقه مرن, فقه يتأقلم ويتطور ويتجاوب مع كل حاجات المجتمع في كل زمان ومكان.
الفقه الإلهي وضع لخير البشرية في دنياهم وآخرتهم, فنريد أن نمسخ ونقطع الصلة يعني أنا بتقديري وتقدير العارفين وضع هذه القوانين رغم هذه المواد التجميلية هو عملية قطع الحبل السري بيننا وبين الرحم الحقيقي لفقهنا ولتشريعنا ولحضارتنا.