تفسير الايات لابن كثير
تفسير الايات من 29 الى 36
بســم الله الـرحمــن الرحيــم
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)
صدق الله العظيم
الحمد لله على نعمه الاسلام
الى تفسير الايات
قوله تعالى: {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن} وهذا إخبار عن غناه عما سواه، وافتقار الخلائق إليه وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم، وأنه كل يوم هو في شأن، قال الأعمش: من شأنه أن يجيب داعياً أو يعطي سائلاً، أو يفك عانياً أو يشفي سقيماً، وقال مجاهد: كل يوم هو يجيب داعياً ويكشف كرباً، ويجيب مضطراً، ويغفر ذنباً، وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السماوات والأرض يحيي حياً ويميت ميتاً، ويربي صغيراً ويفك أسيراً، وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم، وروى ابن جرير عن منيب الأزدي قال: تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية: {كل يوم هو في شأن} فقلنا: يا رسول اللّه وما ذاك الشأن؟ قال: "أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً ويضع آخرين" (أخرجه ابن جرير مرفوعاً ورواه البخاري موقوفاً من كلام أبي الدرداء). وقال ابن عباس: إن اللّه خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور، وكتابه نور، وعرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة، يخلق في كل نظرة، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء (أخرجه ابن جرير).
- 31 - سنفرغ لكم أيها الثقلان
- 32 - فبأي آلاء ربكما تكذبان
- 33 - يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان
- 34 - فبأي آلاء ربكما تكذبان
- 35 - يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران
- 36 - فبأي آلاء ربكما تكذبان
قال ابن عباس في قوله تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} قال: وعيد من اللّه تعالى للعباد، وليس باللّه شغل وهو فارغ، وقال قتادة: قد دنا من اللّه فراغ لخلقه، وقال ابن جريج: {سنفرغ لكم} أي سنقضي لكم، وقال البخاري: سنحاسبكم لا يشغله شيء عن شيء، وهو معروف في كلام العرب، يقال: لأفرغنّ لك، وما به شغل يقول: لآخذنك على غرتك، وقوله تعالى: {أيها الثقلان} الثقلان: الإنس والجن كما جاء في الصحيح: "يسمعه كل شيء إلا الثقلين"، وفي رواية: "إلا الإنس والجن"، وفي حديث الصور: "الثقلان الإنس والجن" {فبأي آلاء ربكما تكذبان}، ثم قال تعالى: {يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} أي لا تستطيعون هرباً من أمر اللّه وقدره، بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه، أينما ذهبتم أحيط بكم، وهذا في مقام الحشر، الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحد على الذهاب {إلا بسلطان} أي إلا بأمر اللّه، {يقول الإنسان يومئذ أين المفر}، ولهذا قال تعالى: {يُرسلُ عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران} قال ابن عباس: الشواظ هو لهب النار، وعنه: الشواظ الدخان، وقال مجاهد: هو اللهب الأخضر المنقطع، وقال الضحّاك: {شواظ من نار} سيل من نار، وقوله تعالى: {ونحاس} قال ابن عباس: دخان النار، وقال ابن جرير: والعرب تسمي الدخان نحاساً. روى الطبراني عن الضحّاك أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال: هو اللهب الذي لا دخان معه، فسأله شاهداً على ذلك من اللغة، فأنشده بيت أمية بن أبي الصلت في حسان:
ألا من مبلغ حسانَ عني * مُغَلْغلة تدب إلى عكاظ
أليس أبوك فينا كان قيناً * لدى القينات فَسْلا في الحِفاظ
يمانياً يظل يشد كيراً * وينفخ دائباً لهب الشواظ (معنى مغلغلة: أي رسالة، قين: أي عبد، فَسْل: أي ضعيف عابر).
قال: صدقت، فما النحاس؟ قال: هو الدخان الذي لا لهب له، قال: فهل تعرفه العرب؟ قال: نعم أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:
يضيء كضوء سراج السلي * ط لم يجعل اللّه فيه نحاساً (رواه الطبراني عن الضحّاك عن نافع بن الأزرق).
وقال مجاهد: النحاس الصفر يذاب فيصب على رؤوسهم، والمعنى: لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بارسال اللهب من النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا، ولهذا قال: {فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان}؟
تفسير ابن كثير يوجد تفسيرات اخرى مثل الطبرى والقرطبى والجلالين والبغوى والسعدى لمن يريد تفسيرا اخرى
جزاكم الله خيرا على القرأه